ماركوس فالكوني*
مع اقترابنا من الشهر السابع من رئاسة دونالد ترامب الثانية، يُمكننا مقارنتها بإدارة جديدة وحليفة أخرى، وهي إدارة خافيير ميلي في الأرجنتين. في الواقع، تبادل الرئيسان الإشادات واللقاءات. وبينما توقع البعض أن تؤثر سياسات ميلي الاقتصادية في ترامب، رأى آخرون أن ترامب سيكون رئيساً ليبرالياً، ليثبُت خطأ الجميع.
قبل انتخاب ترامب وميلي، كانت كل من الولايات المتحدة والأرجنتين تعانيان عجزاً كبيراً في الميزانية، وتعهد الاثنان بمعالجة هذه المشكلة. من ناحية، أوفى ميلي بوعده في شهر واحد فقط، وحقق توازناً في ميزانية الأرجنتين، لأول مرة منذ أكثر من عقد، والآن، بعد 18 شهراً من رئاسته، تُنفق الحكومة الأرجنتينية أقل مما تأخذه من دافعي الضرائب.
في المقابل، لا تزال الولايات المتحدة تواجه أزمة مالية، وإدارة ترامب مستمرة بخفض الإنفاق. وبينما وعد الأخير بتصحيح الميزانية، من المُقدر أن يُخفِّض مشروع القانون الضخم، الذي وقّعه الرئيس ضعف الإيرادات، التي من المرجح خفضها من الإنفاق، ما يضيف 2.4 تريليون دولار إلى الدين الأمريكي الهائل البالغ 36.2 تريليون. تبدو مقاومة الجمهوريين لهذا القانون عقيمة حتى الآن.
ومن المجالات الأخرى، التي يُمكن فيها مقارنة السياسات الأمريكية والأرجنتينية، مسألة تحرير القيود، ففي الأرجنتين، أنشأ ميلي وزارة لتحرير القيود، تُصدر نحو قراري تحرير يومياً، وفقاً لدراسة أجراها معهد «كاتو»، وتُعد هذه الوزارة بالغة الأهمية لإدارة ميلي لدرجة أن «قانون القواعد ونقاط الانطلاق لحرية الأرجنتينيين»، وهو مشروع إصلاح اقتصادي شامل اقترحه الرئيس الأرجنتيني، تضمن صلاحيات خاصة مُفوضة من الكونغرس لتمكينه من سنّ تحرير القيود.
بينما في الولايات المتحدة، كان هناك بعض التوقعات بأن ترامب سيسير على خطى ميلي، ويُطبّق تحريراً واسعاً للقيود، وقد جلب قرار إنشاء وزارة كفاءة الحكومة وتعيين إيلون ماسك رئيساً لها معه الأمل في تحقيق ذلك. لكن الوزارة ركزت في الغالب على سنّ تخفيضات طفيفة في الميزانية، معظمها غير مُدرج حتى في مشروع قانون ترامب. ولم يُمضِ ماسك نفسه بضعة أشهر في رئاسة الوزارة، ومستقبلها غير واضح بعد رحيله.
وهناك مجال آخر للمقارنة بين الولايات المتحدة والأرجنتين، ولعلّه الأهم من حيث تداعياته العالمية، وهو السياسة التجارية، إذ دفعت سياسات ترامب الحمائية العدوانية، العالم إلى حافة الركود. وتشهد الواردات في الولايات المتحدة انخفاضاً حاداً بالفعل، حيث تتكيف الشركات مع القواعد الجديدة.
وتم تعليق الكثير من التعريفات الجمركية، التي أعلنت عنها إدارة ترامب، لكن هناك غموض يكتنف تطبيقها، ومع ذلك، فإن الخسائر الاقتصادية للمستهلكين الأمريكيين مؤكدة. علّمتنا النظرية الاقتصادية والأدلة التاريخية أن التكلفة الكاملة لهذه الإجراءات، ستقع على عاتق الأفراد، الذين سيدفعون أسعاراً أعلى للسلع والخدمات. ويُعد تاريخ الأرجنتين نفسها مثالاً واضحاً على العواقب السلبية للحمائية.
في المقابل، بدأت إدارة ميلي تدريجياً برفع التعريفات الجمركية والحواجز التجارية غير الجمركية في البلاد، ما أدى إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة. ولا تزال القضية الرئيسية للحكومة هي «ميركوسور»، الكتلة التجارية لأمريكا الجنوبية، التي تفرض تعريفات جمركية مرتفعة نسبياً لصالح البرازيل على حساب الجارة الأرجنتين، ومع ذلك، دعا ميلي إلى خفض تعريفات «ميركوسور» الجمركية، وعقد المزيد من اتفاقيات التجارة الحرة. وأكد أن بلاده، وهي من أكثر اقتصادات العالم تقييداً، مستعدة الآن لتوقيع اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن بعض «الليبرتاريين»، وهي فلسفة تركز على الحرية الفردية القصوى، وتقليل دور الحكومة إلى أدنى حد، قد يشعرون بخيبة أمل من ترامب في ضوء إنجازات ميلي، إلا أن جذور هذه النتائج أيديولوجية، وكان من الممكن توقعها، إذ لا يمكن لترامب قيادة إدارة ليبرالية لأنه ليس ليبرالياً. أما بالنسبة لميلي، الذي يصف نفسه بالرأسمالي الفوضوي، فهناك شكوك حول ماهيّة أهدافه النهائية، على الرغم من براغماتيته أحياناً.
إن الهدف المشترك المتمثل في مقاومة «اليسار»، لا يكفي للجمع بين تقاليد متعارضة في الفكر الاقتصادي، مثل مذهب ترامب التجاري واقتصاد السوق الحرة لميلي، ناهيك عن رؤاهما السياسية المتعارضة، ولا يكفي إنشاء إدارة جديدة أو الثقة في أن مستشاراً واحداً يستطيع تحديد مسار السياسات الرئيسية.
ولعل الدرس المستفاد، هو أن السياسات الليبرالية من غير المرجح أن تُطبّق ما لم يقد ليبرالي التغيير. وكان ينبغي أن يكون هذا واضحاً منذ البداية، ولكن المجال مفتوح دوماً للتعلم من الدروس السابقة.
*باحث في مؤسسة Fundacion Libertad، وأستاذ مشارك بجامعة «سيما» في بوينس آيرس.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق